المانيا

من ويكي الطالب اليمني
اذهب إلى: تصفح، ابحث

المجتمع

يعيش في ألمانيا حوالي 83 مليون إنسان. وهي أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان بدون منازع. ألمانيا بلد متحضر ومنفتح على العالم. ويتأثر المجتمع الألماني بأساليب الحياة المختلفة، وبالتنوع العرقي والثقافي. وتتنوع أشكال وأساليب العيش المشترك، كما تتوسع طرق العيش المنفرد والحرية المرتبطة به. وقد بدأ التوزيع التقليدي لأدوار الجنسين في المجتمع بالتلاشي. إلا أن الأسرة، ورغم التغيرات الاجتماعية، ما تزال الحجر الأساس في بناء

المجتمع، كما يحتفظ جيل الشباب بعلاقة جيدة مع الوالدين .


السكان

بعد الوحدة غدت ألمانيا أكبر دولة بين دول مجموعة الوحدة الأوروبية من حيث عدد السكان وبفارق كبير عن غيرها. حيث يعيش اليوم حوالي 83 مليون إنسان على الأرض الألمانية، خمسهم تقريبا في شرق ألمانيا، في المناطق التي كانت سابقا أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية). ويتميز التطور السكاني (الديمغرافي) في ألمانيا بثلاث علامات رئيسية: معدل ولادات منخفض، ارتفاع متوسط الأعمار، اتجاه المجتمع نحو الشيخوخة. تميز قلة عدد الولادات المجتمع الألماني منذ ثلاثة عقود: ويبلغ معدل الولادات منذ عام 1975 حوالي 1,4 مولود لكل امرأة. الأمر الذي يعني أن جيل الأطفال خلال الثلاثين سنة الأخيرة يقل بمقدار الثلث عن جيل البالغين. وقد حالت معدلات الهجرة المرتفعة من المجتمعات الأخرى إلى غرب ألمانيا دون انخفاض عدد السكان بما يتلاءم وهذه النسبة. في ذات الوقت ارتفع متوسط الأعمار بشكل متزايد. فقد وصل هذا المتوسط إلى 76 عاما بالنسبة للرجال و81 بالنسبة للسيدات.

ارتفاع متوسط الأعمار وانخفاض معدل الولادات هما سبب المشكلة الثالثة التي يواجهها المجتمع الألماني: انخفاض نسبة جيل الشباب في المجتمع وارتفاع نسبة كبار السن: ففي مطلع التسعينيات كان يوجد مقابل كل شخص تجاوز الستين من العمر ما يقارب 3 أشخاص بالغين، وفي عام 2004 كانت هذه النسبة 2,2 من البالغين لكل شخص تجاوز الستين. وتشير التوقعات إلى أن هذه النسبة ستصل إلى 2 فقط خلال العقد القادم. ميل المجتمع للشيخوخة يعتبر واحدا من أهم التحديات التي تواجهها السياسة الاجتماعية والسياسات المتعلقة بالأسرة. ولهذا السبب يتم أيضا منذ بعض الوقت إصلاح نظام التقاعد: الحفاظ على " عقد الأجيال " التقليدي (حول تمويل صناديق الشيخوخة والتقاعد) واستمراريته يزداد صعوبة باستمرار، ويتم تدعيم تمويله عن طريق أشكال مختلفة من التأمين الخاص. وفي ذات الوقت يتم مناقشة تدابير مختلفة في إطار سياسات الأسرة بغية التشجيع على الإنجاب.


الأسرة

ماتزال الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية للناس، وواحدة من أهم المؤسسات الاجتماعية على الإطلاق. وقد ازدادت أهميتها كمركز للحياة مع مرور الزمن. وتحتل الأسرة المكانة الأولى بين الخيارات الشخصية بالنسبة لحوالي 90% من السكان. وحتى في أوساط جيل الشباب تتمتع الأسرة بقيمة عالية: 70% ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و26 عاما يرون أن المرء يحتاج إلى أسرة كي يكون سعيدا.

إلا أن تصور شكل هذه الأسرة وبنيتها قد تغيرا بشكل كبير مع التحولات الاجتماعية. ففي الأسرة التقليدية الاجتماعية يعمل الأب والأم المتزوجان على تربية أولادهما بتقسيم واضح للأدوار والمهمات: الأب يعمل ويكسب المال، بينما تقوم الأم بدور ربة المنزل. أسلوب "المنفق الوحيد على الأسرة" هذا، يتم اتباعه بشكل فعلي، على سبيل المثال لدى الطبقات الاجتماعية الدنيا ولدى المهاجرين، أو لفترة زمنية معينة، عندما يكون الأولاد صغارا في السن. إلا أنه لم يعد الأسلوب السائد في الحياة الاجتماعية كما كان في السابق.

لقد تنوعت أساليب وطرق العيش المشترك بشكل كبير جدا. فحرية الاختيار بين الأشكال المختلفة للأسرة، وحتى إمكانية التخلي عن هذه الأسرة، أصبحت الآن كبيرة جدا. ويعود هذا بشكل أساسي لتغير دور المرأة في المجتمع: حوالي 60% من الأمهات يمارسن اليوم عملا أو مهنة. الأسر أصبحت أصغر مما كانت عليه في السابق. والأسر ذات الولد الواحد غدت أكثر بكثير من الأسر ذات الثلاثة أولاد أو أكثر. والأسرة التقليدية اليوم هي الأسرة التي لديها ولدان فقط. وحتى الحياة بدون أولاد، سواء لزوجين أو شريكين في الحياة، أو لفرد واحد أصبحت اليوم أكثر انتشارا. تقريبا ثلث النساء المولودات في عام 1965 ليس لديهن الآن أولاد. ليست فقط أساليب الحياة هي التي تخضع للتغيرات، ولكن أيضا المعايير والقيم الأخلاقية تعيش عصر تغيرات جذرية. فالشراكة بين الرجل والمرأة ما تزال قيمة مهمة من قيم المجتمع، إلا أن الأسلوب القائم على حياة مشتركة دائمة قد تراجع إلى حد كبير. وبالمقابل فقد ارتفعت نوعية المعايير التي تقوم عليها هذه الشراكة. وهذا هو أحد الأسباب التي أدت إلى أن تنتهي 40% من حالات الزواج التي عقدت في السنوات الأخيرة إلى الطلاق. زواج آخر أو علاقة جديدة هما القاعدة في أغلب الأحوال. وقد ازدادت بشكل ملحوظ علاقات المشاركة والعيش المشترك التي لا تقوم على الزواج. وبشكل خاص عند جيل الشباب وعند المطلقين تزداد شعبية "الزواج بدون عقد رسمي". وهكذا ترتفع أيضا نسبة المواليد من غير زواج الأبوين: ففي غرب ألمانيا تصل نسبة المواليد الذين يولدون لأبوين غير متزوجين إلى خمس إجمالي المواليد الجدد، وتتجاوز هذه النسبة 50% في شرق ألمانيا. ومن نتائج هذا التطور زيادة نسبة الأولاد بالتبني (ابن الشريك) ونسبة المربين الوحيدين (الأم أو الأب بشكل منفرد). خمس الأسر التي لديها أولاد، يكون هؤلاء الأولاد فيها أولاد أحد الشريكين، وغالبا أولاد الزوجة (الأم).

ولم تخل العلاقات داخل الأسرة أيضا من التطور خلال العقود الأخيرة. العلاقات بين الآباء والأولاد هي علاقات جيدة عادة، وهي لم تعد تقوم غالبا على الطاعة والتبعية ولكن على أساس المساعدة والدعم والتربية على تعلم الاستقلالية.

صحيح أن الأسر المكونة من ثلاثة أجيال تعيش الآن فيما ندر تحت سقف واحد، ولكن رغم ذلك فإن العلاقة بين الأولاد البالغين والآباء كما بين الأجداد والأحفاد مازالت متينة تقوم على أسس عاطفية قوية.


النساء والرجال

المساواة بين الرجل والمرأة التي نص عليها الدستور الألماني قطعت في ألمانيا، كما في المجتمعات المتقدمة الأخرى، خطوات كبيرة نحو الأمام. وهكذا لم تتمكن البنات في مجال التعليم على سبيل المثال من اللحاق بالشبان وحسب، بل وتجاوزنهم في الكثير من الأحيان. ففي المدارس الثانوية (غومنازيوم) مثلا، وهي ذات أرفع المستويات التعليمية، تبلغ نسبة الإناث من المتخرجين 57%. وتصل نسبة الإناث بين مبتدئي الدراسة الجامعية في الفصل الدراسي الأول إلى 54%. ومن بين الذين أنهوا تعليمهم المهني بنجاح في عام 2004 بلغت نسبة الإناث 44%.

ويزداد إقبال النساء على العمل وحصولهن عليه. في غرب ألمانيا تبلغ نسبة العاملات 65% من مجمل النساء وفي الشرق تصل النسبة إلى 73%. وبينما يميل الرجال عادة للعمل بدوام كامل، تفضل النساء، وخاصة الأمهات لأطفال صغار منهن العمل بدوام جزئي. أيضا في مجال الدخل مازالت الفوارق بين الجنسين موجودة: فالعاملات يكسبن فقط 74% من دخل زملائهن من الرجال، والموظفات 71% منه. ويعود هذا إلى حقيقة أن النساء غالبا ما تعملن في مراكز أدنى من الرجال وبالتالي تكون رواتبهن أقل. وحتى عندما يقتحمن عالم المناصب العليا، تواجه النساء صعوبات مهنية جمة. وهكذا نجد أنه رغم أن نصف الدارسين من النساء فإن نسبة العلماء من السيدات لا تتجاوز الثلث بينما لا تتجاوز السيدات اللواتي يحملن لقب بروفيسور 14% من مجمل حاملي هذا اللقب.

إحدى أهم الصعوبات التي تواجه تطور المرأة المهني تتجلى في تقسيم المهام في الأعمال المنزلية الذي لم يحظ سوى بتطور محدود نسبيا حتى الآن. أساس العمل المنزلي – الغسيل والتنظيف والطبخ – مازال في 75 حتى 90% من العائلات من مهمة المرأة فقط. وعلى الرغم من أن 80% من الآباء يمضون مزيدا من الوقت مع أولادهم، فإن النساء، وحتى العاملات منهن، مازلن يمضين مع الأولاد ضعفي الوقت الذي يمضيه معهم آباؤهم. وبينما يعرب 56% من الرجال الراغبين بالحصول على أولاد عن استعدادهم، تحت ظروف معينة، لترك العمل مؤقتا والبقاء في البيت بعد الولادة لرعاية الأطفال خلال فترة الحضانة، فإن نسبة الرجال الذين يقومون بهذا فعلا تصل بالكاد إلى 5%. بينما يستفيد 36% من الرجال في السويد من هذا الحق الممنوح لهم ويبقون في البيت خلال فترة الحضانة هذه.

وقد تمكنت المرأة من تثبيت دعائمها في العمل السياسي. حيث تبلغ نسبة الأعضاء الإناث في الحزبين الكبيرين SPD (ثلث الأعضاء) و CDU(ربع الأعضاء). أما عدد النساء في البرلمان الألماني (البوندستاغ) فقد تطور بشكل ملحوظ: في 1980 بلغت نسبة الإناث في البرلمان 8%، وفي عام 2005 تقارب هذه النسبة 32%. وفي ذات السنة 2005 أصبحت أنجيلا ميركل أول سيدة تصل إلى منصب المستشار (المستشارة) الألماني.


جيل الشباب

المرجع الرئيسي لجيل الشباب حاليا هو الأسرة، إلى جانب مجموعات الأصدقاء من ذات العمر التي تزداد أهميتها باستمرار. من بين أبناء 18 حتى 21 عاما يعيش حاليا 81% من الشبان و71% من الفتيات في منزل الأسرة. لم يسبق أن بقي هذا العدد الكبير من الشباب حتى هذه السن "المتأخرة" في بيت الوالدين. كما يؤكد كل أبناء 12 حتى 29 سنة تقريبا أنهم على علاقة جيدة بالوالدين.

أحد أسباب البقاء في بيت الأسرة يتمثل في أن المزيد من الشباب يمضون المزيد من الوقت في الدراسة والتعليم. وقد ارتفعت بالفعل مستويات تأهيلهم المختلفة. واليوم يلتحق حوالي 37% من مواليد العام الواحد بالجامعة، ولا يتجاوز عدد الذين يهجرون عالم الدراسة والتأهيل من دون الحصول على شهادة تخرج نسبة 10%. ومجموعات الشباب التي تواجه صعوبات في جوانب النظام التعليمي المختلفة من دراسة وتأهيل تتحدر في معظمها من طبقات المجتمع الدنيا ومن أسر المهاجرين الأجانب.

وبالمقارنة مع أجيال الشباب السابقة، فقد أصبح الشباب أكثر واقعية وعملية وميلا للتجريب، ولم تتحسن علاقتهم مع جيل الآباء وحسب، وإنما أيضا علاقتهم مع الديمقراطية: النظرة التشاؤمية ومشاعر الاحتجاج ومواقف "لا مزاج لأي شيء" التي سادت في الثمانينيات، تحولت اليوم إلى نظرة تفاؤلية عملية تجريبية غير أيديولوجية. جيل شباب اليوم يسعى إلى النجاح والعمل الجاد والاجتهاد. وشعارهم في الحياة يشبه قاعدة "الصعود والترقي بدلا من التراجع"

في الحوار بين اليمين واليسار يميل جيل الشباب إلى اليسار، كما هو مألوف عنهم. إلا أنهم نادرا ما يتشبثون بمواقف سياسية متشددة. وبالمقابل فإن جيل الشباب على استعداد كبير للالتزام والمشاركة في الحياة الاجتماعية. حيث يساهم حوالي ثلاثة أرباع الشباب في نشاطات واهتمامات تتعلق بالبيئة والمجتمع: من كبار السن الذين يحتاجون للرعاية، إلى حماية الطبيعة والحيوانات، ومن مساعدة الفقراء إلى الاهتمام بالمهاجرين الأجانب وبالمعوقين. وبالمقابل يخف اهتمامهم بالسياسة والأحزاب المختلفة والنقابات. ولا تتجاوز نسبة المهتمين بالسياسة من أبناء 12 حتى 25 سنة 30%، بينما ترتفع بين صفوف البالغين الشباب لتصل إلى 44%، كما تصل بين صفوف الطلبة إلى 64%.


كبار السن

ربع سكان ألمانيا تتجاوز أعمارهم 60 عاما. وبسبب الانخفاض المستمر لمعدلات الولادة منذ فترة طويلة وارتفاع متوسط الأعمار، فقد ازدادت نسبة كبار السن في المجتمع الألماني ليحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد اليابان وإيطاليا فيما يتعلق بهذه النسبة. وقد تغيرت أساليب وطرق حياة هؤلاء الكبار في السن خلال العقود الماضية بشكل جذري. فالغالبية العظمى من كبار السن تعيش اليوم وحيدة مستقلة بنفسها. حيث يعيشون غالبا بالقرب من أولادهم ويرتبطون بهم بعلاقات اجتماعية وثيقة. "الشيوخ الصغار" الذين لا تتجاوز أعمارهم 75 أو 80 عاما يتمتعون غالبا بصحة جيدة، تساعدهم على الاستمرار بالحياة المستقلة والاعتماد على الذات، ساعين إلى أهدافهم الخاصة وتنظيم نشاطات أوقات الفراغ حسبما يشاؤون.

ماليا ليس لدى كبار السن أية مشاكل: فإصلاح النظام التقاعدي الذي تم في عام 1957 ضمن للمتقاعدين الاستفادة حتى من نتائج الازدهار والتطور الاقتصادي. وذلك إلى درجة أنهم اليوم قادرون على تقديم المساعدة المادية لأولادهم في بناء أسرهم الخاصة بهم. صحيح أن تعرض كبار السن لظاهرة الفقر (فقر الشيوخ) لم يتم التخلص منها بشكل جذري، إلا أن هذه الفئة تعتبر أقل تعرضا للفقر من غيرها من فئات الأعمار الأخرى في المجتمع.

كذلك ينعم المتقاعدون في شرق ألمانيا بحياة جيدة أيضا.فهم ينتمون إلى كبار الرابحين من الوحدة الألمانية. وقد تخلصوا من الحياة على هامش المجتمع، التي كان الكثيرون منهم يعيشونها في ظل نظام ألمانيا الشرقية السابق. ويقارب معاشهم التقاعدي اليوم متوسط مستوى الدخل في شرق ألمانيا. والسعادة بهذا المعاش التقاعدي تتجاوز سعادة العاملين (تحت سن الستين) في شرق ألمانيا.


الضمان الاجتماعي

الرخاء والعدالة الاجتماعية للجميع: كان هذا هدف وزير الاقتصاد في أواخر الخمسينيات لودفيغ إيرهارد، الذي وضعه نصب عينيه عندما أسس نظام اقتصاد السوق الاجتماعي. وقد تطور "الموديل الألماني" ليصبح مثالا ناجحا سارت العديد من الدول في ركبه. ويعتبر النظام الاجتماعي المتكامل من أهم أسس هذا النجاح. وتمتلك ألمانيا واحدا من أكثر النظم الاجتماعية تشعبا وتكاملا وأكثرها متانة: حيث يصب 27,4% من الناتج القومي المحلي في النفقات الاجتماعية العامة (الحكومية)، بينما تصل هذه النسبة في الولايات المتحدة على سبيل المقارنة إلى 14,7%، وفي دول منظمة التعاون والتنمية وسطيا إلى 20,4%. شبكة اجتماعية شاملة تتضمن التأمين الصحي والتقاعدي والتأمين ضد الحوادث وحالات العجز والبطالة، تحمي المواطن من التبعات المادية والمالية للمخاطر التي يمكن أن تصيب الجوانب الأساسية لحياته. بالإضافة إلى ذلك يشتمل النظام الاجتماعي على خدمات يتم تمويلها من الضرائب مثل التعويضات التي تحصل عليها الأسرة (التعويض العائلي عن الأولاد، تخفيضات ضريبية مختلفة)، والضمان الأساسي للمتقاعدين والعاجزين الدائمين عن العمل.

وتعتبر ألمانيا نفسها دولة اجتماعية، حيث تعطي أولوية مطلقة لمهمة توفير الضمان الاجتماعي لكل مواطنيها.


نظم المساعدات الاجتماعية الحكومية تتمتع في ألمانيا بتاريخ عريق، يعود إلى عهد الثورة الصناعية. ففي أواخر القرن التاسع عشر قام مستشار الرايش الألماني أوتو فون بيسمارك بوضع مبادئ الضمان الاجتماعي العام (الحكومي). وفي عهده وضعت قوانين التأمين الصحي والتأمين ضد الحوادث، إضافة إلى التأمين ضد العجز عن العمل والشيخوخة. وبينما انتفع في ذلك الوقت 10% من أبناء الشعب من قوانين الضمان الاجتماعي هذه، يتمتع اليوم حوالي 90% من الناس في ألمانيا بحماية هذه القوانين.


وفي العقود التالية تم التوسع في بناء هذه الشبكة الاجتماعية وتطويرها. ففي عام 1927 جاء التأمين ضد التبعات المالية للبطالة، وفي عام 1995 جاء التأمين ضد حالات العجز. أما القرن الواحد العشرين فهو يتطلب تجديدات أساسية في بنية هذه الأنظمة المختلفة وذلك أولا بسبب المشكلات المتعلقة بتمويل هذه النظم على المدى البعيد: تزايد نسبة كبار السن (المتقاعدين) في المجتمع مع انخفاض معدلات الولادة، إضافة للتطورات في سوق العمل، كلها عوامل أدت إلى الوصول بأنظمة الضمان الاجتماعي إلى أقصى حدودها الممكنة. ومن خلال الإصلاحات الشاملة تسعى الطبقة السياسية في البلاد لمواجهة التحديات المختلفة وضمان صلاحية ومتانة هذا النظام الاجتماعي للأجيال القادمة.


إصلاح النظام الصحي

تنتمي ألمانيا إلى الدول الأفضل في العالم من حيث الرعاية الصحية. أعداد كبيرة من المشافي وعيادات الأطباء والمؤسسات الصحية تضمن أفضل رعاية صحية للجميع. ومن خلال فرص العمل التي تزيد عن الأربعة ملايين يعتبر القطاع الصحي أكبر قطاع من حيث العمالة في ألمانيا. وتبلغ حصة القطاع الصحي من النفقات حوالي 11,1% من الناتج القومي المحلي، وهي نسبة تزيد بمقدار 2,5 عن متوسط دول منظمة التعاون والتنمية. وبسبب ما يعرف بقانون ضغط النفقات الذي تم تبنيه في إطار الإصلاحات في القطاع الصحي، يظهر في ألمانيا أقل معدل لتزايد حصة الفرد من النفقات على الصحة بين دول منظمة التعاون والتنمية: من عام 1998 حتى 2003 ارتفعت النفقات الصحية بشكل حقيقي في ألمانيا بمعدل 3,8%، بينما بلغت هذه الزيادة بين دول منظمة التعاون والتنمية بالمتوسط 4,5%.


رغم ذلك مازال هناك حاجة كبيرة للمزيد من الإصلاحات، من أجل تحقيق التلاؤم بين تطور النفقات وبين التغير في الشروط والظروف. وتأمل حكومة الائتلاف الكبير الحالية أن تتوصل إلى إصلاحات جذرية في النظام الصحي وذلك أيضا من أجل وضع نظام التأمين الصحي في موقع مناسب للمستقبل. وقد قامت الأحزاب الحاكمة حتى الآن بتطوير خطط ومشروعات مختلفة بهذا الخصوص، وهي في مجملها أفكار يمكن تحقيق التوافق فيما بينها: "تخفيضات التكافل الاجتماعي الصحي" (حزبي CDU/CSU) و "التأمين على المواطن" (حزب SPD). وتنوي الحكومة الألمانية الاتحادية وضع حل ملائم لهذه المسألة المعقدة خلال عام 2006.


إصلاح صناديق التقاعد

تغييرات جذرية تنتظر أيضا التعويض التقاعدي والتأمين ضد الشيخوخة. وبالتأكيد سيبقى التأمين التقاعدي هو حجر الأساس لضمان الشيخوخة. ولكن إلى جانب ذلك تزداد أهمية التأمين الذي يقدمه رب العمل والتأمين الخاص للشيخوخة. ومن خلال ما يعرف باسم "تقاعدية ريستر"، نسبة لوزير الشؤون الاجتماعية الأسبق فالتر ريستر، فيوجد فعلا موديل يستفيد من تخفيضات ضريبية ويجعل من التأمين التقاعدي الخاص أمرا ممكنا. ومراعاة لمبدأ العدالة بين الأجيال فإن جيل المتقاعدين حاليا لا يحصل على أية زيادة في الرواتب التقاعدية. وقد اتفقت أحزاب الائتلاف الحاكمة على رفع سن التقاعد القانونية من 65 سنة إلى 67 سنة: بين الأعوام 2012 و 2035 سيتم رفع سن التقاعد بمعدل شهر كل عام. وفي ذات الوقت ستقوم "مبادرة 50+" بتحسين فرص العمل بالنسبة لكبار السن من العاملين


المصدر


مقالة صبري غالب (ماذا تعرف عن المانيا؟)